أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

كراهية مزدوجة:

دوافع التحريض ضد اللجوء السوري في الشرق الأوسط

04 سبتمبر، 2017


أضحت معضلة اللاجئين السوريين تستعصي على أية حلول عملية في المستقبل المنظور، وقد تكون مرشحة لمزيدٍ من التعقيد والتفاقم، لا سيما في سياقات إقليمية ودولية صراعية استقطابية، تحكمها حسابات المصالح، حيث كشفت الحملات المتزايدة التي تستهدف اللاجئين السوريين عن تصاعد الاحتقان ضدهم، وتزايد الدعوات لإعادة اللاجئين لدول الصراعات، وقد بدأت هذه الحملات بصورة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى الشارع في دول اللجوء بالتوزي مع خطاب إعلامي بات يرى في اللاجئين تهديدًا أمنيًّا وعبئًا اقتصاديًّا، وهو ما يزيد من انتشار الحملات الشعبوية وخطاب الكراهية والعنف ضد اللاجئين ليس فقط في أوروبا وإنما في الشرق الأوسط أيضاً.

مؤشرات التحريض:

تُشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين الصادرة في مارس 2017، إلى أن إجمالي عدد اللاجئين السوريين الفارّين إلى دول الشرق الأوسط قد تجاوز 5 ملايين شخص، يتركز غالبيتهم في دول، مثل: تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر.

ووفقًا لآخر تحديثات للمفوضية على موقعها الإلكتروني الرسمي، يصل عدد اللاجئين السوريين المسجل لديها في تركيا إلى ما يعادل 2.7 مليون لاجئ يعيشون بالمناطق الحضرية، وحوالي 260 ألف لاجئ يقيمون في 23 مخيمًا للاجئين في محافظات: هاتاي، وغازي عنتاب، وكيليس، وسانليورفا. في حين يستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري في أكثر من 1,700 موقع في كافة أنحاء البلاد، ويعيش حوالي 70% من اللاجئين السوريين في لبنان تحت خط الفقر بأقل من 3.84 دولارات يوميًّا للفرد.

أما الأردن فيتواجد به أكثر من 600 ألف لاجئ سوري، ويقيم حوالي 80% منهم في المناطق الحضرية، بينما يُقيم أكثر من 100 ألف آخرين في مخيمي الزعتري والأزرق. وعلى الرغم من الصراعات المذهبية والإثنية التي يشهدها العراق، بالإضافة إلى أنشطة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى به؛ فإنه يستضيف نحو 25 ألف لاجئ من سوريا.

وتصاعدت الحملات المُحرِّضة ضد اللاجئين السوريين في تركيا (المستضيف الأكبر للاجئين السوريين) على مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث انتشر هاشتاج في يوليو 2017 يطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم، وكتب عليه عدد كبير من الأتراك تعليقات معادية للاجئين السوريين، وتطور الأمر من الواقع الافتراضي إلى كتابة بعض العبارات المعادية تجاه اللاجئين على جدران الحوائط، وقد أدى هذا إلى حدوث سلسلة من الاعتداءات تعرّض لها اللاجئون السوريون في مناطق عدة، لا سيما في العاصمة أنقرة.

وشهد مطلع يوليو 2017 اشتباكات بين المواطنين الأتراك والسوريين اللاجئين في منطقة ينيماهال بأنقرة، مما أدى إلى إصابة شخصٍ واحدٍ على الأقل، وتضرر عددٍ من أماكن العمل التابعة للاجئين السوريين والتركمان العراقيين.

إزاء تلك الظاهرة في تركيا، ألقت تصريحات حكومية باللوم على جهات خارجية؛ حيث صرح نائب رئيس الوزراء التركي "ويسي كايناك" في يوليو 2017، بأن "هناك تحريضًا اجتماعيًّا ضد السوريين"، مضيفًا: "إنها مبادرة خبيثة يجري التحريض عليها من الخارج".

في حين حذرت الداخلية التركية من أن هذا الأمر "هو فتنة ونفاق، ومحاولة لاستثمار موضوع السوريين في تركيا كأداة من أدوات السياسة الداخلية".

أما في لبنان (ثاني أكبر مستقبل للاجئين السوريين) فظهر عدد من الميليشيات التي تُطلق على نفسها "حماة الديار" تنشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تتوعد فيها اللاجئين السوريين، وتهددهم في حال القيام بأية فعاليات احتجاجية لمواجهة ما يتعرضون له من ممارسات مسيئة مع تزايد الممارسات العنصرية وتفاقمها ضد اللاجئين في لبنان.

وقد احتدمت حملات التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان، نهاية يونيو الماضي، إثر قيام انتحاريين بتفجير أنفسهم خلال قيام قوات من الجيش اللبناني بتفتيش مخيمات للاجئين في بلدة عرسال الحدودية، وعلى إثر ذلك تم اعتقال 150 سوريًّا من مخيمات عرسال.

وصرح وزير الخارجية اللبناني "جبران باسيل"، في يوليو 2017 قائلًا: "نبهنا من اليوم الأول بأن ملف النازحين يُشكِّل هاجسًا أساسيًّا لدينا، وأصبح حقيقة، كونه يُشكّل ملجأ ومأوى لبعض الإرهابيين".

أما الرئيس اللبناني "ميشال عون"، فقد سارع إلى تهدئة الوضع، داعيًا إلى نبذ التحريض ضد السوريين في الأراضي اللبنانية، مؤكدًا في يوليو 2017 أن "حل أزمة النازحين السوريين، والحد من أعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد؛ لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين".

دوافع الكراهية:

مع تزايد تلك الظواهر المقلقة التي باتت تمس أمن وسلامة اللاجئين السوريين في دول اللجوء؛ فإن التساؤل يبدو منطقيًّا بشأن مستقبل حملات التحريض وخطاب الكراهية الذي يستهدف هؤلاء اللاجئين لاعتبارات سياقية يتعلق بعضها بمحفزات داخلية في دول اللجوء، في حين يتعلق بعضها الآخر باستحقاقات الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

ومما يزيد من تعقيد الوضع الحالي أن غالبية اللاجئين السوريين لن يكون باستطاعتهم العودة إلى أراضيهم في وقت قريب، بالتوازي مع إعادة إعمار وبناء الدولة التي مزقتها الحرب، خاصة أن معضلة الأزمة السورية تكمن في أنها باتت ساحة مفتوحة لحروب بالوكالة بين أطراف إقليمية ودولية عدة ذات استراتيجيات متناقضة ومصالح متقاطعة، الأمر الذي يُصعِّب من مهمة التقاء الجميع على كلمة سواء لإنهاء الأزمة، ويمكن توضيح أسباب الكراهية المتصاعدة للاجئين فيما يلي:

1- تدهور الأوضاع الاقتصادية: أدت الكثافة المرتفعة للسوريين في المحافظات التركية الواقعة في الجنوب والشرق إلى ارتفاع معدلات البطالة بتلك المناطق، كما تسبب الإطار التشريعي الحالي بتركيا في تفاقم مشاكل سوق العمل في المنطقة من خلال دفع القوة العاملة المحلية والسورية إلى التنافس على الوظائف غير الرسمية ذات الأجور المتدنية.

وفي لبنان، وفقًا لتقديرات منظمة العمل الدولية في عام 2016، أدت تدفقات اللاجئين السوريين إلى تضاعف معدلات البطالة إلى نحو 20%، كما صرح وزير الشئون الاجتماعية اللبناني "رشيد درباس" في أغسطس 2014 بأن تدفقات اللاجئين السوريين أدت إلى خسائر اقتصادية قُدِّرت بحوالي 7,5 مليارات دولار خلال عام ونصف فقط. وفي الوقت نفسه، فإن ما يقارب من نصف اللاجئين السوريين ناشطون اقتصاديًّا، ويعمل العديد منهم في وظائف متدنية المهارات في الاقتصاد غير المنظم.

2- التهديدات الأمنية: على الرغم من أن تركيا تُعد من أكبر الدول المستضيفة للاجئين؛ إلا أن هناك عددًا من العمليات رصدتها منظمة العفو الدولي في تقريرها السنوي لعام 2016/2017، لإعادة قسرية جماعية للسوريين على أيدي قوات الأمن التركية، فضلًا عن الإجبار القسري غير المشروع لبعض السوريين على العودة إلى سوريا قبل دخول الحدود التركية باستخدام أساليب العنف.

وربما يعود ذلك، وفقًا لكثير من المراقبين، إلى الهواجس التركية المتزايدة من تسلل بعض عناصر داعش أو عناصر حزب العمال الكردستاني وغيره من الأحزاب الكردية المحظورة تركيًّا، إلى داخل البلاد بين تدفقات اللاجئين السوريين.

3- اختلال التوازن الطائفي: وعلى الصعيد اللبناني، يُعد تدفق اللاجئين السوريين ماسًّا بالتوازن الطائفي شديد الحساسية في البلاد، بين السنة والشيعة والمسيحيين، ومن ثمّ فإن تداعيات بقاء النازحين السوريين في لبنان على المدى الطويل ربما تكون كارثية على المستويات الديمغرافية والأمنية، بالشكل الذي بدا واضحًا في أزمة عرسال الأخيرة.

إجمالًا يمكن القول، إن هناك تصاعدًا ملحوظًا في حملات العنف تجاه اللاجئين السوريين في عددٍ من دول الإقليم، ومما يزيد من تعقيد الوضع أن تنامي النزعات اليمينية في المزاج الأوروبي العام يجعل مستقبل اللاجئين مظلمًا، بالنظر إلى حالة الرفض التي يخلقها خطاب الكراهية الذي تروّج له أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.

وقد يزيد من قتامة المشهد استمرار الجرائم الإرهابية التي يقوم بها منحدرون من أصول إسلامية في بلدان القارة الأوروبية المختلفة، وفقًا لاستراتيجيات "الدهس"، وتفجيرات من باتوا يُعرفون إعلاميًّا بـ"الذئاب المنفردة"، وهو ما يعني في الأخير مزيدًا من معاناة اللاجئين السوريين الذين باتوا مهددين ما بين "مطرقة" البقاء في أوطانهم بلا أمن و"سندان" اللجوء إلى أوروبا بلا أمل.